الحدث ((لماذا نقاتل في سورية))

الحدث

((لماذا نقاتل في سورية))

ترجمة مازن بلال

في 31 تشرين الثاني 2015 تحطمت في شبه جزيرة سيناء طائرة الركاب الروسية إيرباص A321، والطائرة المستأجرة التي تحمل رحلتها الرقم  7K9268، كانت متجهة من منتجع شرم الشيخ المصري إلى مدينة سان بطرسبرج، ولقي جميع ركابها الـ224 مصرعهم، ومعظمهم  من المواطنين الروس. الطائرة تحطمت بعد 20 دقيقة فقط من تحليقها، وسارعت "الدولة الإسلامية"، وهي منظمة إرهابية، للادعاء عن مسؤوليتها عن تحطم الطائرة بعد وقوع الكارثة مباشرة. وأعلنت أحد مجموعات "الدولة الإسلامية" أن "جنود دولة الخلافة تمكنوا من إسقاط طائرة روسية في مقاطعة سيناء،" وحسب البيان أن أكثر من 220 من "الصليبيين" قتلوا كانوا على متنها. والهجوم جاء انتقاما ضد التدخل العسكري الروسي في سورية، واستبعد خبراء الخارجية الروسية تعرض الطائرة لصاروخ أرض – جو، لكن المحققين يعتقدون أن قتبلة انفجرت على متن الطائرة وأدت لتحطمها.

سبق للتنظيم الإرهابي "الدولة الإسلامية" إعلان الحرب العام الماضي على روسيا.  و "الدولة الإسلامية" كمنظمة إرهابية تقتل المدنيين بل وتستمتع بفعلتها، فقتل المدنيين هو جوهر الإرهاب، ويستخدم الأرهابيون الضحايا الأبرياء من أجل تحقيق هدف سياسي. وهذا يتوافق مع طبيعة "الدولة الإسلامية" التي لا علاقة لها لا بالإسلام ولا بمفهوم الدولة، فموت المدنيين الأبرياء أمر غير مقبول لأي مسلم متدين. ومع ذلك فإن موت المدنيين هو الثمن الذي  ستضطر روسيا إلى دفعه اليوم ومستقبلا جراء مساعداتها العسكرية لسورية. إن ارهابيَ "الدولة الإسلامية" ينظرون إلى جميع الروس كأعداء – وليس العسكريين فقط. وأعرب بعض المعلقين الغربيين على مواقع التواصل الاجتماعي عن غبطتهم لحادث تحطم الطائرة.

ولكن لماذا تقدم روسيا المساعدات العسكرية إلى سورية؟ فأولاً إن هذا صراع جيوبولتيكي، فالجبهة بين الأطلسي وأوراسيا تشتعل في سورية؛ حيث تم إيجاد فراغ سياسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في الشرق والشرق الأوسط أيضا. وفي تلك المنطقة واصلت الولايات المتحدة تركيزها على تدمير الأمة – الدول – فيما أطلق عليه "مشروع الشرق الأوسط الكبير". حتى أنها دمرت الدول بغض النظر عن درجة ولائها لواشنطن . فخلقت الولايات المتحدة الفوضى (chaos) لتبرز نفسها كقوة مهيمنة في تسعينات القرن الماضي.حيث كانت فيه روسيا ضعيفة ولم ترد، ولكن في وقت مبكر من القرن الجديد بدأت في الانتعاش ببطء. واليوم، قرر فالدمير بوتين القيام بمعارضة نشطة لسياسة الولايات المتحدة في بث الفوضى داخل الشرق الأوسط. ويمكن رؤية المساعدة العسكرية الروسية لسورية ضد الإرهاب كفعل أوراسي جيوبولتيكي. وسوريا تقع في وسط المعركة بين ممثلي القطب الواحد (الولايات المتحدة الأمريكية) والنظام العالمي متعدد الأقطاب (روسيا).

ولكن أبعد من ذلك، نحن بحاجة إلى فهم "الدولة الإسلامية" كتهديد مباشر للاتحاد الروسي. فهذه المنظمة الإرهابية هي نتاج السياسة الأمريكية التي تم إنشاؤها لنشر الفوضى وتقديم الولايات المتحدة – دائما – شكل التدخل العسكري الخاص بها، كما يظهر في سورية على سبيل المثال. ومع ذلك، فإن "الدولة الإسلامية" لا تتواجد فقط في العراق وسوريا، بل في آسيا الوسطى أيضا. العصابات الإرهابية – التي تملك نفس الرعاة ونفس الأيديولوجية لـ"الدولة الإسلامية" في سورية والعراق – تنشط في أفغانستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان القريبة من الحدود الروسية. كما تعمل هذه الجماعات في منطقة شمال القوقاز داخل الاتحاد الروسي. يدرك فالدمير بوتين بشكل كامل أن هناك تهيئة لظروف الفوضى باستخدام "الدولة الإسلامية" وجماعات إرهابية مماثلة في آسيا الوسطى والقوقاز.

إن الحكمة من التدخل العسكري الروسي باتت واضحة، فإذا لم يتم احتواء خلق ودعم الولايات المتحدة للإرهاب في سورية؛ فإن علينا قريبا أن نقاتله على حدودنا وحتى على أرضنا. سوريا هي خط دفاعنا الخارجي. أما الخط التالي ففي منطقة الاتحاد الأوراسي وحتى داخل الاتحاد الروسي.

إضافة لذلك فإن التدخل العسكري الروسي في سوريا، وعلى النقيض مما تقوم به الولايات المتحدة بقيادة ما يسمى "حملة مكافحة الإرهاب،" يحمل مشروعية كاملة. تتعاون موسكو بشكل وثيق مع دمشق، حيث طلبت الحكومة السورية رسميا الدعم الروسي. وتعمل القوات الجوية الروسية مع الجيش السوري، بينما تجري الهجمات التي تقودها الولايات المتحدة ضد إرادة الحكومة السورية ورغما عن احتجاجاتها المتكررة. إن الدكتور بشار الأسد هو رئيس سورية الشرعي والمنتخب، ويدعمه أكثر من 50% من السكان السوريين. وهذا يعني أن علينا أن نكافح في سورية إلى جانب حلفائنا السوريين ضد التوسع في "الدولة الإسلامية".

علينا أن نضع في الاعتبار ما سيترتب عن الانهيار التام لسورية؛ سيؤدي هذا لانهيار تلقائي لجميع الدول الإسلامية الأخرى في المنطقة؛ وحتى دول شمال أفريقيا ستقع بالكامل في حالة من الفوضى، تماما كما شهدنا في ليبيا. لذلك يمكن أن نتحدث عن سلسلة من ردود الفعل أو تأثير الدومينو في حال انهيار سورية. وهذا بدوره يعني أن الملايين من اللاجئين والمهاجرين سيسيرون نحو أوروبا، لأنه لن يكون هناك مستقبلا لهؤلاء الناس في حالة الفوضى.

ضمن هذا التوجه لم تخلق أمريكا الفوضى ضد منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، ولكن أيضا ضد أوروبا. إن حدوث المزيد من الفوضى والاضطراب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ يعني المزيد من المهاجرين الذين سيأتون إلى أوروبا. وسيؤدي هذا الأمر  إلى زعزعة الاستقرار في البنية التحتية الاجتماعية، ثم إلى شلل سياسي في القارة الأوروبية. وعلينا أن لا ننسى هنا تدفق آلاف الإرهابيين إلى أوروبا كجزء من عملية الهجرة. وإذا ما استمر هذا الاتجاه؛ ومع وصول 10 أو 20 أو حتى 30 مليون من المهاجرين القادمين إلى أوروبا في المستقبل، فهذا يعني عمليا نهاية أوروبا. القارة الأوروبية لن تكون بحد ذاتها "إسلامية"، ولن تُبنى فيها الـ"خلافة"، ولكن بدلاً من ذلك ستغرق في الفوضى كاملة ويمكن أن تمسح بالكامل.

تقاتل روسيا اليوم ضد ظهور هذا المشهد، وهو أمر في مصلحة أوروبا أيضا. روسيا بحاجة إلى أوروبا، وأوروبا تحتاج إلى روسيا. الانهيار في أوروبا سيكون سيئا بالنسبة لروسيا، وينطبق هذا المفهوم على أوروبا فيما لو انهارت روسيا، حتى ولو لم تقبله العديد من الحكومات الأوروبية اليوم، بل وتعمل ضده. هناك أيضا بعض الاستمرارية التاريخية: ففي الماضي شهدت روسيا الدور الأوروبي كدرع ضد النزعة التوسعية "التركية العثمانية". إن غرق أوروبا بالفوضى يعني تلقائيا تهديدا لروسيا على حدودها الغربية والجنوبية. وبالتالي فحماية أوروبا هو من مصالح الاتحاد الروسي. ولمنع أوروبا من الوقوع في الفوضى، تقوم روسيا اليوم بدرع للقارة الأوروبية.

تخوض روسيا في سوريا حرباعلى عدة مستويات: نحن نقوم بنشاط في مكافحة التطلعات العالمية والهيمنة للولايات المتحدة؛ ونحن نحمي مصالحنا الأمنية الوطنية والأوروبية الآسيوية بمحاربة العدو قبل أن يتمكن من الوصول إلينا؛ ونحن نحفاظ على أوروبا قبل انحدارها لأن مثل هذا تطور سيضر بنا أيضا.

((هذا المقال نشر باللغة الألمانية في مجلة ZUERST))

رابط المقال باللغة الإنكليزية:

http://souriaalghad.me/index.php?inc=show_menu&dir_id=36&id=32413