قراءة في كتاب الجيوبوليتيكية في النظام الدولي

قراءة في كتاب الجيوبوليتيكية في النظام الدولي

«إن الجيوبوليتيك مفهوم أوسع من الجغرافيا، فهو يعني: البحث عن الاحتياجات التي تتطلبها هذه الدولة حتى لو كانت ما وراء الحدود، أي ترسم خطة لما يجب أن تكون عليه الدولة مستقبلا»، تصحبنا الدكتورة هيله المكيمي في رحلة عميقة ومفصلة في الاسهامات البحثية للمفكر الروسي الكسندر دوغين خاصة في أسس الجيوبوليتيكية والنظرية السياسية الرابعة في التصدي للمركزية الغربية المهيمنة.

بدأ الكتاب بإطار مفاهيمي ونظري شامل ومُحكم عن الجيوبوليتيكية وبيّن الفرق بينها وبين الجغرافيا السياسية التي تقتصر على دراسة أثر العامل الجغرافي على السياسة، بينما جاء مفهوم الجيوبوليتيكية ليشمل «كافة الظروف التي تحيط بالوحدة السياسية كالجغرافيا والاقتصاد والقيادة السياسية وغيرها في ظل عالم دولي يتسم بالتوسع والتنافس».

كتاب «الجيوبوليتيكية في النظام الدولي»

 

وناقش الكتاب في الفصل الثاني المشروع الجيوبوليتيكي لالكسندر دوغين الذي يقوم على المحورية الأوراسية كوسيلة لتتخلص من التبعية الغربية وكي تكون قادرة على إيجاد أيديولوجيتها الخاصة المستندة على الجيوبوليتيكية والجغرافيا السياسية. ولقد تبلور المشروع الفكري الدوغيني في ثلاثة مؤلفات أساسية، وهي:
١- أسس الجيوبوليتيكية الذي أكد فيه على أهمية الهيمنة الروسية على المنطقة الأوراسية لاستعادة مكانتها الدولية.

٢- الجغرافيا السياسية لما بعد الحداثة وذلك بسبب عودة عصر الامبراطوريات الذي سوف يقام على ثلاثة أبعاد رئيسية وهي البعد الفلسفي للمنظومة الأنموذجية، والبعد القاري للمنظومة الأنموذجية، والبعدان الاقتصادي والأمني، وقد ساهم ذلك في تعزيز قناعات دوغين بحتمية الانتقال إلى نظام التعددية القطبية الحضارية والتي تضمنها مؤلفه.
٣- النظرية الرابعة.

 

جانب من حضور الحلقة النقاشية كتاب «الجيوبوليتيكية في النظام الدولي»

 

وفي الفصل الثالث، تم التطرق إلى العوامل التي شكّلت الفكر الدوغيني اليميني الذي تجاوز الحدود الروسية باتجاه القارة الأوروبية وألقت الضوء على نشأته وعلاقته المبكرة باليمين الأوروبي المتطرف وعلاقة القومية الروسية بالأوراسية الفاشية، وتأثير التنظير الجيوبوليتيكي الغربي الذي أظهر روسيا على أنها العدو الأول للعالم الغربي، الأمر الذي ساهم في تعزيز قناعات دوغين اليمينية المتطرفة.

وأظهر الكتاب في الفصل الرابع علاقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالكسندر دوغين الذي يصفه البعض بأنه عقل بوتين المفكر.

 

جانب من حضور الحلقة النقاشية كتاب «الجيوبوليتيكية في النظام الدولي»

 

أثر الدوغينية الجيوبوليتيكية على الشرق الأوسط

وأخيراً وليس آخراً، تطرق الكتاب إلى أثر الدوغينية الجيوبوليتيكية على الشرق الأوسط وعلى المتغيرات الجيوبوليتيكية التي أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية وذلك من خلال:

1. تبدّل الموقف الأوروبي حيث أعادت هذه الحرب إحياء وتوحيد وتوسع حلف شمال الأطلسي وإعلان دول محايدة مثل السويد وفنلندا رغبتها الملحة في الدخول في عضوية الناتو خوفا من أن تكون الهدف التوسعي القادم لروسيا في القارة الأوروبية.
2. الاتفاق السعودي الإيراني والحياد التركي الخليجي، حيث أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى نتائج مغايرة لما كان يأمل دوغين فإيران فضّلت الحليف الصيني على الحليف الروسي وذلك خشية من الأطماع التوسعية الروسية، بينما الصين تسعى إلى شراكة اقتصادية لمواجهة الهيمنة الاقتصادية الأمريكية العالمية. كما ظهر ذلك جليا في قبول إيران للصين كوسيط للاتفاق بين السعودية وإيران. كما أن العلاقة الروسية التركية بدت أكثر تعقيداً من تصورات دوغين. كما أخفق دوغين في توقعاته إزاء الموقف العربي لاسيما دول مجلس التعاون الخليجي التي أظهرت موقفا مستقلاً عن المعسكر الغربي، وأكدت على دورها الحيادي إزاء طرفي الحرب الروسية الأوكرانية. أما دول آسيا الوسطى فقد ساهمت الحرب في تعظيم مخاوفها من روسيا مما عزز من تحالفها مع البديل الصيني.
3. الصين والولايات المتحدة الأمريكية: أثبتت الحرب صحة رؤية دوغين للصين التي وصفها بالخطر الحقيقي على روسيا والولايات المتحدة التي يراها دوغين العدو الأول لروسيا. فأمريكا جرت روسيا ّإلى حرب استنزاف وحشدت القوى الأوروبية لمساندة أوكرانيا وفرضت عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا. أما الصين فتبنت دبلوماسية هادئة وحاولت لعب دور الوسيط للسلام الأمر الذي يُظهرها كبديل لروسيا في المنطقة الأوراسية حيث تتوجه الغالبية العظمى لدول المنطقة الأوراسية إلى التحالف مع الصين لعدم شعورهم بالخوف من الأطماع الصينية التوسعية في مناطق نفوذهم.

 

جانب من حضور الحلقة النقاشية كتاب «الجيوبوليتيكية في النظام الدولي»

النظرية الرابعة لدوغين

طرح دوغين النظرية الرابعة كمنافس وبديل عن الأيدولوجيات السابقة كالليبرالية والاشتراكية والقومية وأشار إلى ضرورة أن يسعى العالم للتخلص من المركزية الغربية وركز على بعض القوى الصاعدة كروسيا والصين والعالم الإسلامي حيث أشار إلى أنه في ظل الوزن العسكري لروسيا والقوة الاقتصادية للصين والزخم الشعبي للعالم الإسلامي مع مؤشرات تراجع القوة الاقتصادية الأمريكية وازدياد الانقسامات السياسية والاجتماعية فإنه يمكن الوصول إلى عالم متعدد القطبية تكون روسيا والصين والعالم الإسلامي لاعبين مؤثرين فيه.

 

https://torouscenter.com