الليبرالية العالمية في أزمة
التبويبات الأساسية
ترجمة : نورالدين علاك الأسفي [1]
zawinour@gmail.com
بعد عقود من الهيمنة الأيديولوجية العالمية؛ الليبرالية تتجه نحو "كارثة"، هذا ما قاله الفيلسوف السياسي ألكسندر دوغين لبودكاست القواعد الجديدة لسبوتنيك.
فانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 سمح لليبرالية بالظهور كأيديولوجية عالمية مهيمنة بلا منازع. لكن، و على مدى عديد السنين الماضية، غدا مستقبل الأيديولوجية موضع تساؤل متزايد. فالاضطرابات الشعبوية في الولايات المتحدة وأوروبا كشفت عن استياء متزايد من عدم قدرة المؤسسات الليبرالية على التعامل مع السياسة الخارجية والفشل الاقتصادي. في عين الوقت، شرعت القوى الناشئة الجديدة كروسيا والصين والهند وغيرها في طرح بدائل أيديولوجية خاصة بها.
و قال أيضا؛ إن الليبرالية ليس لديها حلول للمشاكل التي ساعدت في خلقها؛ وهي حقيقة يعترف بها ضمنيا مؤيدو الأيديولوجية. وحذر من أن الطريق الوحيد لليبرالية إلى الأمام هو مضاعفة أخطائها.
"إذا أخذنا في الاعتبار الرؤية المستقبلية في السينما والفن التي اعتمدها الغرب الليبرالي، فإننا لا نرى سيناريو إيجابيا واحدا. كل شيء هو" ماكس المجنون " Mad Max ، كل شيء هرمجدون – كارثة ذرية، كارثة جوية، أو كارثة بيئية". "لذلك، لا توجد رؤية أخرى محتملة للمستقبل في الحضارة الليبرالية الغربية الحديثة خارج الانحلال العالمي. يقدم هذا كشفا عن الفراغ الداخلي لليبرالية؛ لأن الأخيرة بدأت كنسخة فردية من الإنسانية، لكنها الآن تدنو من معاداة البشرية و الفردانية العابرة للإنسان".
وأضاف:" هذه بالضبط هي الأجندة السياسية لـ [جو] بايدن، و كامالا هاريس، و التقدميين المعاصرين في الولايات المتحدة الذين هم علنا يناصرون لما بعد الإنسانية". "إنهم يحاولون تدمير التاريخ والأسرة والنوع وجميع ضروب المؤسسات التقليدية. إنه مجرد نوع من الحتمية؛ الحتمية السياسية لتدمير البشرية. إذن، هذه هي الكارثة [الليبرالية]”.
صعود وسقوط الليبرالية
جادل دوغين بأن الليبرالية كانت "طريقا مقنعا إلى الهاوية" منذ البداية بسبب رغبتها الجوهرية في هدم جميع أشكال الهوية الجماعية، مثل الدين والأسرة والقومية، باسم الفردية. أصر الفيلسوف الروسي على أنها كانت مسألة وقت فقط قبل أن تبدأ الأيديولوجية في محاولة تفكيك مفهوم الإنسانية ذاته.
وقال:" آخر شيء يحتاج [الليبراليون] إلى تحقيقه في طريقهم هو تحرير الأفراد من هويتهم البشرية – تحديدا لأنها آخر شكل من أشكال الهوية الجماعية". وكدليل على النظرة العالمية لليبراليين "المعادية للإنسان" بشكل متزايد، دوغين أشار إلى الشعبية المتزايدة لما بعد الإنسانية، وهي حركة تدعو إلى استخدام التقنيات الناشئة لإعادة تشكيل البشر، وحماية البيئة الراديكالية بين النخب الغربية.
وفقا للفيلسوف الروسي، بدأت الليبرالية تدهورها السريع بعد نهاية الحرب الباردة. و أوضح أنه خلال القرن 20، أجبرت المنافسة الأيديولوجية لليبرالية مع الشيوعية والفاشية على كسب المؤيدين المحتملين من خلال وعدهم بمزيد من الحرية ومستويات معيشة أعلى. و مع ذلك، فإن الانهيار النهائي للإيديولوجيتين المتنافستين الرئيسيتين منح الليبرالية احتكارا عالميا للسوق الفكري وأزال أي حافز لها لتزويد مؤيديها بمستقبل أفضل.
وقال دوغين :" نرى الآن أنه بدون هذه البدائل السياسية، تصبح الليبرالية العالمية الحديثة دكتاتورية خالصة؛ نظام شمولي يفرض على البشرية جمعاء ضرورة أن تكون ليبرالية". "إذا لم تكن ليبراليا، فأنت محكوم عليك، ومدمر تماما. لذلك، مع إظهار الليبرالية الآن طبيعتها الشمولية، فإنها تتوقف عن محاولة أن تكون جذابة. إنها تفرض نفسها عالميا دون شرح السبب.”
لقد اختبر دوغين شمولية الليبرالية الغربية بشكل مباشر. أمضت وسائل الإعلام الرئيسية سنوات في تلطيخه باعتباره " أخطر فيلسوف سياسي في العالم."لقد تم إقصاء دوغين من منصات يوتيوب وجي ميل/ Gmail وأمازون؛ على سبيل المثال لا الحصر. الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فرضت عقوبات عليه بسبب كتاباته. و في أغسطس 2022، داريا/ Darya ابنة دوغين البالغة من العمر 29 عاما قتلت في هجوم بسيارة مفخخة نظمته أجهزة الأمن الأوكرانية.
وقال:" أنا أعتبر عدوا عاما للغرب وليس من الصعب فهم لماذا أنا مشيطن للغاية، و منتقد، وملقى علي باللوم". "لم يستطع الليبراليون الذهاب إلى حوار حقيقي معي. إنهم يفضلون قتلي، لأنهم قتلوا ابنتي. عندما تقتل خصومك، فهذا يعني أنه ليس لديك حجج جادة ضدهم لأن العنف هو سلاح الأغبياء و الضعفاء.”
فضح الأساطير الليبرالية
يصر مؤيدو الليبرالية أنه مهما كانت عيوبها، فإن أيديولوجيتهم ليس لها منافسون عندما يتعلق الأمر بتعزيز التقدم الاقتصادي والتكنولوجي. لا يمكن لأي أيديولوجيات أخرى أن تتباهى بمستويات المعيشة العالية التي حققتها المجتمعات الليبرالية في القرن 21.
قدم دوغين ردين على هذه الحجة. أولا، أشار إلى أن كل "النجاحات" الاقتصادية لليبرالية كانت مصحوبة بتراجع في مجالات رئيسية أخرى-وهي "تدمير الأجواء الاجتماعية في المجتمعات الغربية، والدمار المتزايد للعقول البشرية، واختزال الثقافة الفكرية البشرية إلى ردود فعل مبسطة." وجادل بأن هذه التكاليف تفوق أي فوائد اقتصادية حققتها الليبرالية لأنه من المستحيل أن يتمتع المجتمع بازدهار مستدام بدون نسيج اجتماعي قوي.
ثانيا، أشار دوغين إلى أن ادعاءات الليبرالية الغربية بالتفوق الاقتصادي كانت خاطئة بشكل جلي. منذ أواخر 1970، شهدت الصين طفرة سريعة مع الحفاظ على نموذج سياسي "غير ليبرالي" للغاية. على النقيض من ذلك، فإن العديد من الدول النامية التي اتبعت توصيات المؤسسات المالية الدولية التي يقودها الغرب قد أخفقت خلال عدة عقود من الركود الاقتصادي.
وأضاف: "عندما تعلن الحضارة الغربية بفخر أنها أغنى مجتمع في العالم، فهذا ببساطة ليس صحيحا لأن هناك دولا أخرى ذات جودة معيشة عالية". "إذا كنت تفكر في عاصمة روسيا أو المدن الكبرى في الصين أو بعض العواصم الإسلامية الشرقية، فسترى أن مستويات معيشتهم ليست أقل من الغرب. في الوقت نفسه، يمكنك العثور على أماكن في أوروبا الغربية أو الولايات المتحدة في حالة رهيبة. على سبيل المثال، ديترويت؛ حيث الاضمحلال الكلي للمجتمع بأسره، والسكان المدمنين على المخدرات الذين يعيشون في الشوارع.”
ثورة متعددة الأقطاب ضد الغرب الليبرالي.
دوغين أكد أن الليبرالية تفقد تدريجيا هيمنتها الأيديولوجية العالمية وأن روسيا تساعد في قيادة العملية. وأوضح أنه على الرغم من أن روسيا أطلقت عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا لحماية المدنيين في دونباس ووقف التوسع الشرقي لحلف شمال الأطلسي، إلا أن الصراع سرعان ما تطور إلى صراع أكبر ضد التفوق الجيوسياسي الغربي. و السعي لتحقيق النصر. كما أجبر روسيا على الانفصال التام عن "العدمية العميقة والطبيعة السامة للنظام الليبرالي الغربي" وإعادة اكتشاف "هويتها الحضارية الحقيقية".
" انه ليس ضد الغرب على هذا النحو نحن نقاتل. نحن نقاتل ضد ادعاء الغرب بأنه عالمي، ليكون مقياس الأشياء".قال دوغين "نحن نقاتل ضد رفض الغرب اعتبار أن الثقافة الروسية والنظام السياسي والمجتمع يمكن أن يبنى على مبادئ مختلفة تماما. الغرب لا يقبل أي بديل لمبادئه وطالما أنه لا يزال يتبع هذا النوع من السلوك، فليس لدينا فرصة لوقف الحرب".
"لكننا لسنا وحدنا في هذه المعركة لأن الصينيين، عاجلا أم آجلا، سيواجهون نفس الوضع. إن العالمين الأفريقي والإسلامي بالفعل نصف يقظ ضد هذا التهديد للعنصرية الغربية. أمريكا اللاتينية والهند أيضا". كما أضاف "نحن إنسانية، نحن الأغلبية العالمية التي لا تقاتل ضد الغرب، ولكن ضد العنصرية الغربية والهيمنة والتظاهر بأنها عالمية. طالما أن هذا الادعاء الغربي بأنه عالمي موجود، فإن معركتنا ستستمر.” [2]
------------
[1] في البال: المقال المترجم رهن الإحاطة علما؛ لا تبني فحواه جملة أو تفصيلا. المترجم.
[2] رابط المصدر:
https://www.geopolitika.ru/en/article/global-liberalism-crisis